)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يعرف التاريخ ديناً ولا نظاما كرم المرأة باعتبارها أماً ، وأعلى من مكانتها ، مثل الإسلام.
لقد أكد الوصية بها ، وجعلها تالية للوصية بتوحيد الله وعبادته ، وجعل برها من أصول الفضائل ، كما جعل حقها أوكد من حق الأب ، لما تحملته من مشاقّ الحمل والوضع والإرضاع والتربية ، وهذا ما يقرره القرآن ويكرره في أكثر من سورة ليثبته في أذهان الأبناء ونفوسهم ، وذلك في مثل قوله تعالى : [ ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ] ، [ ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهراً .. ].
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله: من أحق الناس بصحابتي؟ قال: أمك . قال: ثم من؟ قال: أمك . قال: ثم من؟ قال: أمك . قال: ثم من؟ قال: أبوك.
*******************
ولا بزفرة واحدة
ويروي البزار أن رجلاً كان بالطواف حاملا أمه يطوف بها ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم : هل أديتُ حقها ؟ قال: لا ، ولا بزفرة واحدة ؛ أي من زفرات الطلق والوضع ونحوها.
وبرّها يعني: إحسان عشرتها ، وتوقيرها ، وخفض الجناح لها ، وطاعتها في غير المعصية ، والتماس رضاها في كل أمر ، حتى الجهاد ، إذا كان فرض كفاية لا يجوز إلا بإذنها ، فإن برها ضرب من الجهاد.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، أردت أن أغزو ، وقد جئت أستشيرك ، فقال: هل لك من أم ؟ قال : نعم ، قال: فالزمها ، فإن الجنة عند رجليها.
وكانت بعض الشرائع تهمل قرابة الأم ، ولا تجعل لها اعتباراً ، فجاء الإسلام يوصى بالأخوال والخالات ، كما أوصى بالأعمام والعمات.
أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني أذنبت ، فهل لي من توبة ؟ فقال: هل لك من أم ؟ قال: لا . قال: فهل لك من خالة ؟ قال: نعم. قال: فبرّها.
*******************
حتى وإن كانت مشركة
ومن عجيب ما جاء به الإسلام ، أنه أمر ببر الأم وان كانت مشركة ، فقد سألت أسماء بنت أبي بكر النبي صلى الله عليه وسلم عن صلة أمها المشركة ، وكانت قدمت عليها ، فقال لها : نعم ، صِلي أمك.
ومن رعاية الإسلام للأمومة وحقها وعواطفها ، أنه جعل الأم المطلقة أحق بحضانة أولادها ، وأولى بهم من الأب.
قالت امرأة: يا رسول الله ، إن أبني هذا ، كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وحجري له حواء ، وان أباه طلقني ، وأراد أن ينتزعه مني ! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحي.
واختصم عمر وزوجته المطلقة إلى أبي بكر في شأن ابنه عاصم ، فقضى به لأمه ، وقال لعمر: ريحها وشمها ولفظها خير له منك ، وقرابة الأم أولى من قرابة الأب في باب الحضانة.
والأم التي عنى بها الإسلام كل هذه العناية ، وقرر لها كل هذه الحقوق ، عليها واجب : أن تحسن تربية أبنائها ، فتغرس فيهم الفضائل ، وتبغضهم في الرذائل ، وتعودهم طاعة الله ، وتشجعهم على نصرة الحق ، ولا تثبطهم عن الجهاد ، استجابة لعاطفة الأمومة في صدرها ، بل تغلب نداء الحق على نداء العاطفة.
ولقد رأينا أما مؤمنة كالخنساء ، في معركة القادسية تحرض بنيها الأربعة ، وتوصيهم بالإقدام والثبات في كلمات بليغة رائعة ، وما أن انتهت المعركة حتى نعوا إليها جميعا ، فما ولولت ولا صاحت ، بل قالت في رضا ويقين: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيله.
*******************
أمهات خالدات
ومن توجيهات القرآن : أنه وضع أمام المؤمنين والمؤمنات أمثلة فارعة لأمهات صالحات ، كان لهن أثر ومكان في تاريخ الإيمان.
فأم موسى تستجيب إلى وحي الله وإلهامه ، وتلقى ولدها وفلذة كبدها في اليم ، مطمئنة إلى وعد ربها : [ وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ].
وأم مريم التي نذرت ما في بطنها محررا لله ، خالصا من كل شرك أو عبودية لغيره ، داعية الله أن يتقبل منها نذرها : [ فتقبل مني انك أنت السميع العليم].
فلما كان المولود أنثى ، على غير ما كانت تتوقع ، لم يمنعها ذلك من الوفاء بنذرها ، سائلة الله أن يحفظها من كل سوء : [ وأني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم].
ومريم ابنة عمران أم المسيح عيسى ، جعلها القرآن آية في الطهر والقنوت لله ، والتصديق بكلماته : [ ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين].
*******************
من المعلوم أن الأعياد من شعائر الأديان ، ومرتبطة بها ارتباطاً واضحاً ، لهذا حدد الشرع المطهر لهذه الأمة الحنيفية عيدين ، هما: الفطر والأضحى، وقد أبدلنا الله بهما عن سائر أعياد الجاهلية ، كما أخبر بذلك المصطفى – صلى الله عليه وسلم- فيما رواه النسائي (1556) ، وأبو داود (1134) من حديث أنس – رضي الله عنه-، وعيد الأم هو من الأعياد الجاهلية الحديثة التي لا يجوز بحال أن يشارك فيه المسلمون ، أو يحتفلوا بها ، أو يقدموا فيها الهدايا أو الأطعمة ، أو غيرها ، وعلى هذا فلا يجوز تقديم الهدايا للأم بهذه المناسبة ، بل الأم في الإسلام حقها متأكد على الدوام من البر والصلة.